لقاء مع د. عزمي بشارة بشأن الحرب على غزة: بين الدعم الأميركي وصمود المقاومة

يجري مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، د. عزمي بشارة، الآن، حوارا عبر "التلفزيون العربي"، بشأن الحرب على غزة "بين الدعم الأميركي وصمود المقاومة".

لقاء مع د. عزمي بشارة بشأن الحرب على غزة: بين الدعم الأميركي وصمود المقاومة

د. عزمي بشارة، خلال الحوار

قال مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، د. عزمي بشارة، في حوار أُجري معه مساء الأحد، عبر "التلفزيون العربي"، بشأن الحرب على غزة، إن "إسرائيل تريد أن تحوّل قطاع غزة إلى مكان غير صالح للحياة"، موضحا أن "سلوك المقاومة يشير بشكل واضح إلى أنها استعدّت لسيناريو اجتياح برّيّ".

وذكر في المقابلة التي أتت بعنوان "بين الدعم الأميركي وصمود المقاومة"، أن "بُنية مجلس الأمن الدولي لا يمكن أن تستمرّ بوضعها الراهن"؛ كما شدّد على أن "قضية فلسطين قضية كاشفة والحرب على غزة بيّنت عيوب المجلس". وشدّد على أن "خروج الشعوب العربية إلى الشارع ضروريّ، لأنه سيؤكّد أن العدوان على غزة، يمثّل تهديدا حقيقيًّا لاستقرار المنطقة".

ولفت بشارة إلى أن سلوك المقاومة وتفاجؤ إسرائيل به يوحي بأن الفصائل الفلسطينية استعدت جيدا لنية الاحتلال اجتياح غزة، بدليل أعداد المصابين والقتلى الذين تعترف بهم إسرائيل بين صفوف جيشها، مذكّرا بأن الإعلان الرسمي يتحدث عن ألفَي جريح بينما كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنهم خمسة آلاف.

وفضّل بشارة استخدام مصطلح "إفشال العدوان" في وصف ما يحصل حاليا، على تعبير "الانتصار"، وتساءل في هذا السياق: إذا كانت إسرائيل متفاجئة من قدرات حماس الهجومية، فلماذا تدعي معرفة قدراتها الدفاعية؟ وأشار إلى أنه مثلما ارتبكت إسرائيل في الرد على عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فإنها في الهجوم البري أيضا لم تكن مستعدة، ذلك أنها أخفقت في بلورة ماذا يعني الهدف العام للاجتياح البري، أي "القضاء على حماس".

ولاحظ أن المنطق الاستعماري الاستيطاني لإسرائيل في تعاطيها مع الفلسطينيين بفوقية وبجهل وباحتقار، يؤدي إلى نتائج عكسية على صاحبه لأن هذه العقلية تمنع الاحتلال من فهم عدوه ومعرفة قدراته وبالتالي التفاجؤ بعملياته، وهذا ما يحصل اليوم في مواجهة المقاومة.

وفي ما يخصّ توقعاته لمآلات الحرب، عَدَّ بشارة أنّ "علينا أن نعرف تماما حجم ما أُلحق بقطاع غزة وبالشعب الفلسطيني، مع عدم معرفتنا بمآل الأمور وقد ينتهي الأمر بحرب استنزاف لأشهر أو أكثر".

وعن اعتقال المدنيين في شمال غزة قبل أيام وتصويرهم بشكل شبه عراة، ورأى بشارة أن الهدف من ذلك بشكل أساسي هو معاقبة صمود هؤلاء في مناطقهم شمالي القطاع. وجزم بأن صور هؤلاء الشباب "لا تقلل من كرامتهم أمامنا بل تقلل من كرامة الجنود الإسرائيليين". وفي سياق متصل، لفت بشارة إلى أن القول إن الشعب الفلسطيني "يعشق الموت" كلام مهين للفلسطينيين، لذلك ليست صحيحة نظرية أن علينا الاستخفاف بصور مأساة الشعب الفلسطيني والتركيز فقط على صور المواجهات والمقاومة.

خروج الشعوب العربيّة إلى الشوارع هو ما ينقص المشهد

وقال بشارة في ما يتعلّق عدم خروج الشعوب العربية إلى الشوارع بالدرجة المطلوبة، إنه "ما دام احتمال تحرك الأنظمة العربية الرئيسية مستبعدا، فإنّ خروج الشعوب العربية إلى الشوارع هو ما ينقص المشهد، ومن شأنه أن يساهم في وقف الحرب، ذلك لأن أميركا عندها قد تشعر فعلا بأنّ ما تقوم به إسرائيل يشكل خطرا على الاستقرار في المنطقة وفي البلدان العربية الرئيسية".

وفي المجمل، فإن الموقف العربي برأي بشارة هو "موقف متفرج"، وتخوّف من أننا في صدد إعطاء إسرائيل الفرصة حتى نهاية العام الحالي لتدمير غزة بشكل كامل ويصبح غير قابل للحياة، والتمركز بعدها داخل القطاع والبدء بتنفيذ عمليات خاصة واغتيالات.

وعَدَّ بشارة أن "معيار تأييد الشعب الفلسطيني اليوم ليس الاستعراض على السوشال ميديا بل الخروج إلى الشارع". وفي ما يتعلق بجولة الوفد المنبثق من القمة العربية ــ الإسلامية المشتركة في عدد من عواصم العالم، لاحظ بشارة أنه "لا توجد إرادة مشتركة لفعل أكثر مما تقوم به" مجموعة الدول العربية والإسلامية، ذلك أن الجولة "علاقات عامة جيدة" ولكنها ليست أكثر من ذلك.

وعلى حد تعبير مدير "المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات"، فإنّ بعض الدول العربية التي كانت متحمسة لأن تقضي إسرائيل على حركة حماس، بدأت الآن تشعر أن إسرائيل صارت تشكل خطرا في مغامرة غير محسوبة قد تؤدي إلى عدم استقرار. وقد أفسدت عملية السابع من أكتوبر، وفق المدير العام لـ"المركز العربي"، مشروعا أميركيا كبيرا يقوم على مواجهة الصين وبناء محور إسرائيلي ــ عربي يحفظ الاستقرار في الشرق الأوسط.

اعتراض سفن إسرائيليّة وتهديد سفن متّجهة إليها

وذكر بشارة أن اعتراض الحوثييين وتهديدهم حركة السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، بدأ يؤثر اقتصاديا فعلا على إسرائيل "وذلك بخطاب عقلاني" يرسم معادلة أن حصار غزة يقابَل بحصار إسرائيل بحريا؛ وقال إنه "لا يمكن إنكار أن الخطوات التي يتّخذها الحوثيون لها تأثير".

وقال إنه لو نفّذت الدول العربية قرار كسر الحصار على غزة، لما كان أُفسح مجال أمام غير العرب كإيران لتكون سندا لـ"حماس" التي تفضّل لو تدعمها بلدان عربية مثل السعودية مثلا.

وكرَّر بشارة رأيه الذي يفيد بأنه ليس مطلوبا من البلدان العربية إعلان الحرب على إسرائيل، بل اتخاذ خطوات تعود عليها بالفائدة في النفوذ السياسي وفي مفاوضات "اليوم التالي" وفي معادلات القوة الإقليمية عموما. ووضع السلوك العربي الحالي في إطار "المضرّ للأمن الوطني لكل دولة عرية على حدى".

الفيتو الأميركيّ والخسارة الأخلاقيّة

وعن الفيتو الأميركي في مجلس الأمن الدولي رفضا لمشروع القرار الداعي إلى وقف إطلاق النار، ذكّر بشارة أن الجلسة عُقدت بناء على تفعيل الأمين العام للأمم المتحدة المادة 99 من ميثاق المنظومة الدولية. ولاحظ أن أنطونيو غوتيريش تأخر في خطوته ولكنه أقدم عليها في النهاية.

وذكر بشارة أن مشروع القرار المرفوض فيه بنود ضد حركة حماس ورغم ذلك رفضته أميركا. وأوضح أن سبب الفيتو الأميركي هو أن واشنطن تريد استمرار الحرب وهو ما يجاهر المسؤولون الأميركيون به صراحةً بهدف جعل قطاع غزة مكانا غير صالح للحياة.

ووصف بشارة ما حصل في نيويورك قبل يومين، بأنه خسارة أخلاقية غير مسبوقة لأميركا ربما منذ ما قبل حرب العراق. واسترسل بشارة حول مسألة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن باعتبارها إرثا استعماريا (باستثناء عضوية الصين وروسيا فيه)، من هنا تنبع ضرورة إصلاح نظام مجلس الأمن غير القابل للاستمرار بهذه الشاكلة.

وقال إن الدول دائمة العضوية هي من تقاوم وستقاوم أي تغيير وأي إصلاح لنظام مجلس الأمن. وعاب على المجموعة العربية في الأمم المتحدة بأن دورها يقتصر على مشروع قرار يتم رفضه بصوت واحد (أميركا). واختصار المشهد في ما يتعلق بقضية فلسطين بأنه يتمثّل بفرض إسرائيل إرادتها على أميركا وفرض أميركا إرادتها على العالم.

واستبعد بشارة أي تغيير في الموقف الرسمي لبريطانيا حيال القضية الفلسطينية، أما فرنسا فهي برأيه "تبحث عن دور ومحاولة تمايز في السياسة الخارجية"، مع تأكيده أن سلوك باريس عموما لا يزال يشوبه تحريض وقمع لأي صوت يتضامن مع الفلسطينيين في غزة، مع تصدر فرنسا "موضة" معاداة السامية، وهو ما يترجِم نزعة "تأمرُك" في فرنسا تمأسست منذ عهد الرئيس نيكولا ساركوزي وتتعمق أكثر اليوم.

وأوضح بشارة أن الوعي العالمي بعدالة القضية الفلسطينية بات يضعها في خانة بقية القضايا العالمية، معربا عن ثقته بأن ما تمارسه دول ودوائر أساسية في الغرب اضطهادا وإرهابا فكريا ضد مؤيدي عدالة القضية الفلسطينية في الجامعات والمؤسسات والفنون والثقافة، يصعب أن يدوم، "وما ينقص المشهد مجددا هو غياب فاعل عربي صاحب وزن في العالم".

وفي لقائه الأخير، أكّد بشارة أن "إسرائيل أرادت التخلّص من ملفّ المختطفين المدنيين، قبل مواصلة المعركة"، لافتا إلى أنّ "الأهم في هذه المرحلة هو إيجاد صيغة تقود للتوصل إلى وقف إطلاق النار"؛ كما رأى أن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة قائم كخطة، وكشف أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، فاتَح مسؤولين غربيين بالموضوع، وشدد على أن ما يوقف مشروع التهجير، إعلان مصري لإسرائيل بأنه سيكون بمثابة إعلان حرب، وهو ما لم يحصل بعد.

وأشار إلى أن "إسرائيل تستغلّ المهلة الأميركية لتكثيف عمليات القصف قبل الانتقال إلى مرحلة جديدة". وتوقّع أن تكون المرحلة التي ستلي هذا الشهر مرحلة معارك برية بشكل أساسي استباقا لانتهاء المهلة الأميركية المعطاة لإسرائيل "بالأسابيع وليس بالأشهر"، وأشار إلى أن الأهم اليوم هو التوصل إلى وقف إطلاق النار بالكامل أكثر من الهدن الإنسانية.

التعليقات